آداب وفلسفة



 هل المفاهيم الرياضية مطلقة في اليقين أم نسبية؟
المقدمة (طرح المشكلة)
تعد الرياضيات كعلم مجرد من أهم المواضيع التي نالت حظها من الدراسة و الاهتمام ضمن مبحث فلسفة العلوم،و هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس،والمقدار القابل للقياس يسمى كما،والكم نوعان:متصل موضوعه الهندسة،ومنفصل موضوعه الحساب.وقد شكل موضوع نتائج الرياضيات محور نقاش وجدل بين الفلاسفة والعلماء، إذ أكد بعضهم أن نتائج الرياضيات يقينية ومطلقة في كل الأحوال باعتبار أنها علم مجرد، في حين أكد آخرون الرياضيات نسبية من حيث النتائج خاصة مع ما شهدته الرياضيات من تعدد الأنساق. وعليه ،هل يمكن أن وصف الرياضيات بالعلم اليقيني في كل الأحوال؟
التوسيع: (محاولة حل المشكلة)
أ- القضية: (المفاهيم الرياضية مطلقة في اليقين):يذهب أنصار الرياضيات الكلاسيكية (الإقليدية) للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن نتائج الرياضيات هي نتائج مطلقة في اليقين، انطلاقا من المبادئ التي تعتمدها وأساليب البرهنة التي لا تقبل الشك.
2- البرهنة:
* صدق المفاهيم الرياضية متوقف على اعتمادها فكرة البداهة، والبديهية هي قضية يقينية بذاتها لا تحتاج إلى برهان لأنها تدخل في نسيج الفكر البشري ، ومن أهم البديهيات التي اعتمدها إقليدس نجد "الكل أكبر من الجزء"، "طرح نسب متساوية من نسب متساوية يؤدي إلى الحصول على نسب متساوية حتما"
* أكد ديكارت على قيمة البداهة في بناء المنهج الرياضي ويتجلى ذلك من خلال قوله " لا أتقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا"
* أكد سبينوزا أنه لا يمكن الشك في فكرة البداهة لأن الشك في البديهية يعني الشك في مبادئ العقل الفطرية، وما دام الجميع ملزم على الإيمان بصدق المبادئ العقل فإن الجميع ملزم بالتصديق بالبداهة، " البديهية هي معيار الصدق والكذب"
* صدق المفاهيم الرياضية مرتبط بطريقة التعريف الرياضي الذي اعتمده إقليدس، " التعريف التحليلي، التعريف التركيبي" والتعريف هو القول الشارح لمفهوم الشيء، يتم بذكر الخصائص الجوهرية للشيء. ومن بين التعريفات الرياضية نجد أن المثلث هو الشكل الناتج عن تقاطع ثلاث مستقيمات فيما بينها، والمستقيم هو مجموعة النقاط على استقامة واحدة، والنقطة هي ما ليس له طول ولا عرض ولا ارتفاع. والذي يثبت صدق المفاهيم الرياضية هو أنه لا أحد يتمكن من إبطال أي تعريف قدمه إقليدس.
* أكد باسكال صدق ومطلقية المفاهيم الرياضية من خلال قوله: "الهندسة هي الوحيدة من العلوم الإنسانية التي تنتج براهين معصوم من الخطأ".
* أصبحت الرياضيات لغة لكل العلوم قال أوغست كونت": "الرياضيات هي الآلة الضرورية لكل علم" وهذا يعني أن الفيزياء مثلا أرادت أن تعتمد المنهج الرياضي قصد بلوغ اليقين الذي حققته الرياضيات.
3- النقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن الرياضيات هي إبداع إنساني ومن غير المعقول أن ينتج العقل النسبي مفاهيم مطلقة، إن الرياضيات الكلاسيكية حتى وإن بدت يقينية فإن يقينها فقط منطقي " الانسجام بين المقدمات والنتائج" وهذا اليقين فنده الواقع الذي يتميز بالتغيير. تحطيم فكرة البداهة التي كانت معيارا لصدق المفاهيم الرياضية يمنحنا اعتقادا بأن للقضية تفسير آخر.
ب- نقيض القضية: (المفاهيم الرياضية نسبية في اليقين): يذهب أنصار الرياضيات المعاصرة للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن تطور العلوم فرض تأسيس القطيعة مع فكرة المطلقية أو اليقين الرياضي، لأن ظهور النسق الأكسيومي حطم فكرة البداهة وأصبحت كل القضايا وأصبحت كل القضايا الرياضية مجرد أوليات نسبية قابلة للنقاش وهذا ما جعل الرياضيات قادرة على مسايرة تطور العلم.
2- البرهنة:
* ظهور النسق الأكسيومي جعل من الرياضيات تتميز بتعدد الأنساق والتعدد يعني النسبية في اليقين وهذا ما أكده بولفان من خلال قوله: " إن كثرة الأنظمة في الهندسة لدليل على أن الرياضيات ليست فيها حقائق مطلقة". وهذا التعدد تجلى من خلال نسق العالم الروسي لوباتشيفيسكي الذي افترض المكان أنه مقعر ومن ذلك استنتج أنه من نقطة خارج المستقيم يمكن أن يمر عدد لا نهائي من المستقيمات الموازية، وأن مجموع زوايا المثلث أقل من زاويتين قائمتين. كذلك التعدد تجلى مع العالم الألماني ريمان الذي افترض أن المكان محدب ومن ذلك غير التعريف الذي قدمه إقليدس عن المستقيم حيث أكد أنه مجموعة من النقط تنتهي لتشكل دائرة. واستنتج أنه من نقطة خارج المستقيم لا يمكن أن نمرر أي مستقيم موازي، كما أن مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة. كذلك التعدد يتجلى من خلال نظرية المجموعات التي قدمها جورج كانتور الذي أثبت أن الجزء يمكن أن يساوي أو يكبر الكل. وهو بذلك حطم فكرة البداهة التي كانت تعد مقياسا لليقين في الرياضيات الكلاسيكية.
* أكد إدموند هسرل من خلال كتابه "تأملات ديكارتية" أن تطور العلم حطم فكرة البداهة التي تقوم عليها الهندسة الإقليدية.
* انتقد روبير بلانشي المبادئ الثلاث للهندسة الإقليدية حيث أكد أن التعريفات هي لغوية لا علاقة لها بالحقيقة الرياضية، ولا يمكن الحكم عليها أنها صادقة أو خاطئة، لأنها تصف المكان الهندسي كما هو موجود حسيا في الواقع وهي بذلك تشبه التعريفات في العلوم الطبيعية، كما انتقد أيضا من خلال كتابه الأكسيوماتيك فكرة البداهة فاعتبرها خاطئة (الكل أكبر من الجزء) إذ يقول: " لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها مبادئ بديهية لأنها في الحقيقة مجرد افتراضات نابعة لاختيار العقل الرياضي الحر"
إذا كانت الرموز الرياضية المعتمدة في حساب المساحات تقريبية فإنه من غير المعقول أن تكون النتائج الرياضية مطلقة = 22/7 =3,14 بالتقريب.
3- النقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأنه إذا كان النسق الأكسيومي قد تجاوز النسق الإقليدي فلماذا لا زال الفكر الإنساني يعتمد الهندسة الإقليدية في البحث الحديث، إن تحطيم فكرة البداهة لا يعد تحطيما لقيمة ومطلقية الرياضيات، إنما تجاهلا لقيمة مبادئ العقل الفطرية، وما دامت تلك المبادئ صادقة تغير الزمان والمكان، فمن غير المعقول تحطيم فكرة البداهة.
ج- التركيب:كتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن المفاهيم الرياضية ليست مطلقة دوما كما أنها ليست نسبية بصفة دائمة، إنما هي يقينية من حيث المنهج وأساليب البرهنة، وهذا الصدق يفرضه الانسجام بين المبادئ والنتائج، وهي نسبية من حيث النتائج من جهة ثانية، إذ نجد المفاهيم الرياضية هي مطلقة إذا نظرنا إليها من زاوية الهندسة الإقليدية، ونسبية إذا نظرنا إليها من زاوية النسق الأكسيومي.
خاتمة: (حل المشكة)ختام القول يمكن التأكيد أن المفاهيم الرياضية تتميز بالدقة واليقين المطلق وهذا ما جعلها لغة لكل العلوم لأنها تعتمد مبادئ انطباق الفكر مع ذاته (الهوية، عدم التناقض والثالث المرفوع) كم أن الرياضيات علم تجردي لا يبحث عن صدقه من الواقع.



 لقيم الأخلاقية / هل هي نسبية أم مطلقة؟؟ 

المقدمة: (طرح المشكلة):
الإنسان بحكم طبيعته الإجتماعية والأخلاقية يتبادل مع غيره من الأفراد الأشياء والأفكار والمشاعر وهو لا يكتفي بأن يحيط حياته بالقيم الأخلاقية بل هو يسأل ويبحث عن طبيعتها لذلك غلب الجدل حول هذه المسألة بين دعاة النضرية المطلقة القئلين بثبات الأخلاق ودعاة النضرية النسبية القائلين بعكس ذلك وهنا يحق لنا طرح هذه المشكلة: *هل يا ترى القيم الأخلاقية مطلقة أم نسبية؟؟
عرض الاطروحة الأولى: يرى اتباع النضرية المطلقة أن القيم الأخلاقية لا ترتبط بالمكان والزمان والمجتمع بل هي قيم ثابتة واحدة لدى جميع الناس ومطلقة لاتتغير وتتميز بالموضوعية وباستقلالها عن الأفراد وتعاليها عليهم, وهي تتضمن قيمتها في باطنها وهي دائما واضحة بذاتها لا تقبل شكا ولا جدلا ومن انصار هذه الاطروحة الفيلسوف الالماني كانط صاحب عبارة: "شيئان يملآن اعجابي سماء مرصعة بالنجوم وضمير يملأ قلبي" وهو يرى ان الاخلاق مطلقة من حيث استنادها الى قاعدة مطلقة هي الارادة الخيرة التي تدفعنا الى القيام بالواجب الأخلاقي من أجل الواجب وفي هذا المعنى قال: "ان الفعل الذي يتم بمقتضى الواجب يستمد قيمته الخلقية, لا من الهدف الذي يلزم تحقيقه بل من مبدأ القاعدة التي تقرر تبعا لها" وبذلك رفض أصحاب الاتجاه المطلق ربط الاحلاق بنتائج الأفعال بمعنى ان الانسان الفاضل لا يقدم على فعل الخير رغبة في تحقيق لذة أو جلب منفعة وانما يأتيه لذاته بإعتبار غاية في نفسه ومن قبله رأى افلاطون ان خيرية الأفعال وشريتها وصواب الأقوال أو خطأها وجمال الأشياء أو قبحها هي مستقلة عن الأفراد تمام الاستقلال وبالتالي لا تتغير الظروف والأحوال والمجتمعات لذلك قال أفلاطون: "الخير فوق الوجود شرفا وقوة" وتبرر هذه الأطروحة موقفها بأن الدراسات الانثروبولوجية الحديثة قد كشفت لنا عن وجود تقارب كبير بين هذه الشرائع الأخلاقية المختلفة فمثلا قد تختلف الشرائع الأخلاقية في حكمها بحق الرجل البالغ في الزواج من واحدة أو أكثر ولكنها تتفق جميعا على أنه ليس من حق الرجل ان يتزوج أية إمراة شاء في اي وقت شاء. وربما اختلفت الشرائع الاخلاقية ايضا في تحديد (الحالات) التي يكون فيها الكذب أهون الشرين ولكنها تجمع بلا استثناء على اعتبار (قول لصدق) في الحالات العادية عملا اخلاقيا صائبا. والواقع أن على الرغم من وجود شرائع أخلاقية متعددة فليس ما يمنع من امكان قيام (شريعة أخلاقية مطلقة) وفي الفكر الاسلامي نجد الأشعري يقول: "الخير والشر قضاء الله وقدره" فالحكمة الإلهية هي التي تفصل في الأمور وإرسال الرسل عليهم السلام حجة تثبت ذلك.
النقد: من حيث الشكل نرد عليهم بأن الواقع يثبت أن العصر الذي نعيش فيه لم يعد عصر مبادئ أخلاقية مطلقة وقيم أزلية ثابتة بل قد أصبح عصر مرونة وتساهل ونسبية ومن حيث المضمون نرد عليهم أن شواهد التاريخ شاهدة على تعدد الشرائع الأخلاقية فالمجتمع اليوناني له أخلاقه والمجتمع الإسلامي له أخلاق تميزه عن غيره.
عرض الاطروحة الثانية: على النقيض من هذه الأطروحة يرى اتباع النضرية النسبية أن القيم الأخلاقية ليست مطلقة وثابتة بل هي متحركة ومتبدلة متأثرة بمتغيرات الوقت والمكان والمجتمع ومن ثمة هي نسبية وهم يرون أن الخطأ والصواب يختلف بإختلاف الثقافة التي يحملها المجتمع كما ان القيم الاخلاقية للمجتمعات تختلف بمرور الزمن والقيم الأخلاقية التي يحصل عليها المجتمع تحدد قيمتها تبعا للوقت والمكان والمربين الذين ترعرع على ايديهم هذا المجتمع أو اللإنسان. ومن انصار هذه الاطروحة دافيد هيوم الذي قال: "الواجب الأخلاقي الزم صادر عن المنفعة وضرورات المجتمع" وهو يرى ان الأحكام الأخلاقية خاضعة للعرف والعادة والبيئة الإجتماعية فجريمة واحدة قد تصادف أحكاما مختلفة بإختلاف الظروف والأحوال. كما أن الحكم على الأفعال بالخير أو الشر راجع الى عاطفة او احساس نابع من التجربة والمجتمع اللذين يجعلان الانسان يتشبت بالحسن لما يجلبه له من منفعة ويبتعد عن القبيح لما يجلبه له من ضرر ويرى دوركايم ان الضمير الأخلاقي تعبير عن صوت المجتمع وهو يتردد داخل الذات الفردية بلغة الآمر والناهي مما يجعله يتمتع بسلطة قاهرة ويمنح بالضرورة لقواعد السلوك الفردي صفة الإكراه المميزة للإلزام الأخلاق وفي هذا المعنى قال: "لسنا سادة تقويمنا الأخلاقي بل المجتمع" وقال أيضا: "إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع المجتمع هو الذي يتكلم" وهو يرى أنه مادامت الاخلاق ترتبط بالمجتمع فهي نسبية والدليل على ذلك ان لكل مجتمع قيم أخلاقية تنسجم مع طبيعة تكوينه العام الإجتماعي والثقافي والحضاري وأتباع هذه النضرية يدعون بأنه لا توجد أخلاق عالمية مجردة يمكن لها أن تسود المعمورة. فكل إنسان له ان يقرر المعيار الأخلاقي بنفسه ولنفسه لهذا يصعب أن نحكم على اي قول أو فعل بأنه خطأ أو صواب لأن هذا الفعل أو القول يجب أن ينسب الى صاحبه فصاحبه هو من يحق له الحكم على القول أو الفعل ويقرر مدى صحته وصلاحيته فمثلا الكذب قد يبدو صحيحا في ظرف معين لإنسان ما ف حين أنه خطأ في ظل نفس الظروف لإنسان آخر ومع ذلك لايجوز لنا ان نحكم عليهما أو أحدهما بالخطأ لان كلاهما على صواب يعترض دعاة النسبية على القول بأخلاق مطلقة فيقولون أن الاحكام الأخلاقية في جوهرها أحكام وجدانية تستند الى العواطف وترتكز على الانفعالات وبالتالي تختلف من فرد لآخر بل قد تختلف لدى الفرد الواحد بإختلاف حالاته الوجدانية
النقد: ان كانت هذه الأطروحة تبدو للوهلة الأولى وكأنها مستساغة ومقبولة, إلا أنها لا تصمد أمام النقد وتعارض نفسها لتنهار بسرعة وهي غير قادرة على الوقوف والمحاجة. فمن حيث الشكل نرد عليهم بأن هناك مبادئ أخلاقية عامة لا يختلف عليها أحد ولكن تختلف الامم في كيفية التعبير عنها قبيل "عدم إيذاء الناس" أو "إحترام الآخرين" أو "الصدق والشجاعة" ومن حيث المضمون نرد عليهم أن الاخلاق إذا كانت نسبية فإنه ولا شك ستفقد قدرتها على إلزام الآخرين بها ومن ثمة تفقد طابعها المثالي المقدس
التركيب: يتحدد مفهوم الأخلاق لغة على أنها مجموعة من الفضائل والمكارم كالصدق والوفاء والشرف وفي الفلسفة الأخلاق هي مجموعة من المبادئ المعيارية التي يجب أن يسير وفقها السلوك إذا كان من السهل مدح الأخلاق والحديث عن قيمتها فإنه من الصعب تحديد طبيعتها بين المطلق والنسبي وهذه مشكلة للفصل فيها نقول كموقف شخصي (القيم الأخلاقية مطلقة في أهداف ما ونسبية ومتغيرة غير تطبيقها) وثبات القيم راجع إلى أصلها الديني والعقلي وكما قال فيخته: "الأخلاق من غير دين عبث" ولكن بما أن الإنسان يطلب المنفعة ويعيش في مجتمع فإن طبيعة الأخلاق نسبي
الخاتمة: (حل المشكلة): كمخرج عام نقول المشكلة التي بين أيدينا لها علاقة بمحور الأخلاق بين النسبي والمطلق وقد تبين لنا ان الأطروحة الأولى دافعت عن ثبات وشمولية ومطلقية القيم الأخلاقية والثانية سارت في إتجاه معاكس وركزت على نسبية الأخلاق وبالعودة الى منطق التحليل نصل إلى حل المشكلة فنقول: الأخلاق مطلقة في أهدافها ونسبية في تطبيقها.


😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀😀
لمادة : فلسفة

النشاط : درس نظري
                                                          الموضوع: الحق و الواجب و العدل
أ/ـ الوضعية المشكلة:
ـ تأمل الحوار التالي الذي دار بين أب و إبنه
الأب: يا بني اخفض من صوت المذياع لأنك بهذا تؤذي جارنا
الابن: لكن يا أبي أليس من حقي سماع صوت المذياع كما أشاء؟
الأب:ولكن أين حق الجار هنا؟ فمن واجبك احترام.
الابن: أفهم من قولك أنه ينبغي أداء الواجب ثم المطالبة بالحقوق
الأب:نعم
الابن: لكن لماذا أنتظر حتى تؤدى حقوقي؟ منه أقوم بواجبي.
ـ  تدل الوضعية على وجود حوار بين الأب و ابنه حول موضوع الحقوق و الواجبات .
كان رأي الأب أن الواجب أسبق من الحق ، أما رأي الابن فهو أن الحقوق أسبق من الواجبات .
إذن من أجل إبداء الرأي ينبغي طرح الأسئلة التالية :
1/ـ ما مفهوم الحق و الواجب و العدل ؟
2/ـ ما هي أنواع الحقوق و الواجبات ؟ ومن هو الأسبق الحق أم الواجب؟
*وهل تحقيق العدالة يكمن في المساوات أم في التفاوت؟
أ/ـ عناصر الدرس: 1/ـ مفهوم العدل و صلته بالحق و الواجبات
أ/ـ مفهوم العدل :يعرف العدل بأنه إعطاء لكل حق حقه .
لهذا فالعدل قيمة أخلاقية يقوم على تحديد المبادئ و القواعد العامة للإعتدال و التوازن و الاستقامة على مستوى الأفراد و الجماعة .
و العدالة في جوهرها و صورتها النهائية حق وواجب لأن امتلاك الحقوق و أداء الةاجبات يمثل جوهر العدالة و صورتها العملية التطبيقية .
ب/ـ الحق :
ـ 1/ـ لغة : و هو الأمر الثابت الذي لا يمكن إنكاره.
2/ـ إصطلاحا : و هو مجموع ما يخوله القانون للفرد من مكاسب مادية و معنوية و يمكنه الدفاع عنها و المطالبة بها .
/ـ أنواع الحقوق:
أ/ـ الحقوق الطبيعية : و هي الحقوق اللازمة للإنسان من حيث هو الإنسان ، وهي حقوق تتميز بالثبات و العمومية كالحق في الحياة و التفكير و العدل....إلخ.
وهذه الحقوق الطبيعية هي أصل كل الحقوق لأنها حقوق ذاتية تعمل على حمايتها كل القوانين الشرعية و الموضوعية بدون إستثناء .
ب/ـ الحقوق المدنية: و هي الحقوق التي تظهر في المدينة ، وما تتميز به من تداخل العلاقات و تشابك المصالح و الوظائف الاجتماعية و هذا يقتتضي وضع قوانين تنظم شؤون الجماعة وتسير أمورها مثل : (حق التعلم ، الحق في العمل ، الحق في الملكية ...................الخ). وهذه الحقوق المدنية تعتبر حقوق مرنة و غير ثابتة تساير الأوضاع و الظروف الاجتماعية و المتغيرة و تتكيف معها و هي امتداد للحقوق الطبيعية .
*العلاقة التداخلية بين الحقوق الطبيعية والحقوق المدنية هي أن الأولى أصل و الثانية فرع ، بمعنى أن الحقوق المدنية امتداد  و مستخلصة من الحقوق الطبيعية .
*بين حقوق الفرد و المجتمع : يرى أصحاب النزعة الفردية أن الحقوق الفردية أسبق من الجماعية لأن وجود الفرد أسبق من وجود الجماعة ومن هنا كان أساس الحقوق غايتها هو الفرد ، وما الجماعة إلا مجرد تنظيم للعلاقات يسمح بممارسة الحقوق و توجيهها دون طغيان أو تعدي.
*حقوق الجماعة: يرى أصحاب النزعة الاجتماعية أن الحقوق ليست من عمل الأفراد بل الجماعات لأن الحقوق مرتبطة بالمجتمع و التنظيم الاجتماعي ، لهذا نجد لكل مجتمع حقوقه و قوانينه التي تنظم علاقاته بين أفراده ، كما أن الحقوق مرتبطة بالقانون و القانون من وضع الجماعة لتراعي به مصالحها .
النتيجة: المشكلة بين النزعتين الفردية و الاجتماعية تقبل الموقفين معا ، لان الحقوق مصدرها فردي و ممارستها أمر اجتماعي فمثلا حق الملكية حق فردي لكن يكفله المجتمع.
مفهوم الواجب:
لغة : اللازم و الضروري .
اصطلاحا: وهو إلزام محدد يتعلق بموقف إنساني أو ظروف اجتماعية معينة كواجب الموظف على أداء عمله .
*أنواع الواجبات:
أ/ـ الواجب الأخلاقي: و هو مجموعة الإلزامات الوجدانية النابعة من ضمائرنا وهي مبنية على فكرة الخير و الشر كمعاني أخلاقية تحدد ما يجب فعله أو اجتنابه مثل الإحسان و هو بذل النفس و العفة .
ب/ـ الواجب القانوني: و يتمثل في مجموع الواجبات و الإلزامات المفروضة علينا و الملزمة لنا بتشريع صحيح تضعه السلطة الاجتماعية  أو السلطة الإلهية لتحقيق المصلحة العامة فإذن فهي واجبات تخضع لضوابط و قواعد قانونية تحدد الواجبات ومن تقع عليه .
*بين أولوية الحق و الواجب:
أ/ـ الحق أسبق من الواجب: إن تطبيق العدالة وممارستها والتعبير عنها والشعوربها من طرف الأفراد في الواقع لا يكون إلا من خلال تقديم الحقوق و المكاسب لكل فرد على الواجبات التي يلتزمون بها لأن الحقوق مرتبطة بالوجود الإنساني و هي ملازمة للطبيعة البشرية كالحق في الحياة و التفكير ..........الخ  وهي حقوق لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها .
لهذا يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أو أنصار النزعة الإنسانية و فلاسفة التنوير أمثال :"جون جاك روسو" و "جون لوك" أن العدالة الاجتماعية تقتضي تقديم الحق (الطبيعي) و أن سلطة الدولة مقيدة بضمان حقوق الأفراد كما أن الثورتين الفرنسية و الأمريكية قامتا على مبادئ حقوقية وهو ما أثمر ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تقول مادته الأولى :(يولد جميع الناس أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق ، وقد وهبوا العقل و الضمير، و عليهو أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء)
النقد: *لكن تأسيس العدالة بإقرار الحقوق أولا يفتح الباب أمام ظهور نزوات الأنانية و إرضاء الميول الغريزية و إلى إخلال التوازن العام للحياة .
ب/ـ الواجب أسبق من الحق : فالواجب هو معيار العدالة لأن الواجب مطلب عقلي يقتضيه العقل و ضرورة عقلية تتجاوز منطق المصلحة و المنفعة و الذاتية إلى مستوى الالتزام بالقانون و ما يفرضه من تضحية للحقوق فمثاله الجندي الذي يقدم حياته فداءا للوطن بدافع الواجب دون النظر إلى فقدانه لأهم حقوقه ألا وهو الحق في الحياة و إتقان العمل واجب دون النظر إلى الأجر و الثناء من أحد كما أكد على ذلك الفيلسوف : "إيمانويل كانط" كما رأى :" أنه يمكن الاستغناء عن فكرة الحقوق و الاكتفاء بالواجبات لأنها متضمنة فيها ،فحقوق شخص ما هي ليست واجبات
أوغست كونت" شخص آخر ،ولو قام الجميع بواجباته نحو غيره لتحققت حقوق الجميع .
النقد: غير أن هذا المبدأ الذي يؤسس العدالة على مبدأ الواجبات فقط يجعل من العدالة عرجاء و يسيئ إلى الحياة الاجتماعية لأنه يصير ذريعة للظلم و الإستغلال باسم الواجبات .
النتيجة: العدالة المثلى تتأسس على إقرار التعادل و التوازن بين الحقوق و الواجبات .
*هل تأسس العدالة على المساواة أم التفاوت؟
أ/ـالعدالة في المساواة: يرى أنصار المساواة أن العدالة تتأسس على مبدأ المساواة فبدونها يشيع الظلم و التمييز و الاستغلال و عدم التوازن ، و هذا ما دافع عنه فلاسفة التنوير و أصحاب الفلسفة الماركسية الاشتراكية ، لهذا يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أن قرار مبدأ المساواة إنما تقتضيه الطبيعة المشتركة لكل فرد مع غيره و قد قال قديما الخطيب اليوناني: "شيشرون" ( الناس سواء بسواء ، وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان ، لنا جميع عقل و لنا حواس و إن اختلفنا في العلم ) ويقول:   "أميل شارتي" ( العدالة هي معاملة الناس بالمساواة) و في هذا الإطار يقول: "آلان" ( لقد ابتكر الحق ضد اللاّمساواة ، والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية.......أما أولئك الذين يقولون إن اللاّمساواة هي من طبيعة الأشياء فهم يقولون قولا بئيسا ) و يقول أيضا المفكر الأمريكي: "توماس جيفرسون" ( إن جميع الناس قد خلقوا متساوين) لهذا يؤكد أنصار المساواة أن الحديث عن التفاوت كمبدأ للعدالة لهو تكريس للظلم و الطبقية التي سادت عصور الظلام .
النقد: غير أن أنصار المساواة أهملوا دور الفروق الفردية و هذا يتعارض مع الطبيعة البشرية ، لأن الأفراد يتفاوتون في القدرات و المواهب مما يقتضي إقرار التفاوت بينهم .
ب/ـ العدالة في التفاوت: يرى أنصار التفاوت أن العدالة تقوم على مبدأ التفاوت لأنه قانون تقتضيه الطبيعة البشرية .
الأفراد غير متساوين من حيث القدرات و المواهب و الاستعدادات لهذا حاول الكثير من المفكرين و الفلاسفة تبرير هذا المبأ و الدفاع عنه فمثلا : "أفلاطون" أسس العدالة الاجتماعية على أساس التمايز الطبقي الموضوعي و لكي تبرز العدالة وجب على كل فرد أن يلتزم بطبقته التي ينتمي إليها ، كما يؤكد : "أرسطو" أن العدل الحقيقي يكمن في وضع كل فرد في مكانه اللائق به و هذا يقتضي إقرار التفاوت و الاعتراف به ، كما نجد في الفلسفة الحديثة الفيلسوف الألماني : "نيتشه" الذي يؤكد على أن التفاوت حقيقة واقعة وجب الاعتراف بها و العمل على أساسها ، كما سعى في تقسيم المجتمع إلى طبقتين : طبقة السادة ، و طبقة العبيد و اعتبر : "ماكس شيلر" التفاوت مقياس العدالة و أساسها حيث يقول: ( إن المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة ) لأن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية و حقد و غيرة و رغبة دفينة في خفض نسبة الأفراد المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم .
النقد: غير أنه لا يمكن اعتبار كل تفاوت عدل لأنه قد يكون هذا المبدأ مطية و ذريعة لتكريس الظلم و الاستغلال و الطبقية بدون وجه حق بدعوى إقرار التفاوت .
النتيجة : 3/ـ النظرية الإسلامية : *فالعدل ليس مساواة مطلقة بين جميع الناس ، لأن هناك فروق فردية لا بد من احترامها ، وليس تفاوتا مطلقا  حتى لا يكون مطية للإستغلال و عدم احترام كرامة الإنسان لذلك كان لا بد من التأسيس لعدالة تجاوز بين المساواة و التفاوت .
و قد عبّر عن ذلك المفكر المصري : زكي نجيب محمود" من خلال وصفه للقواعد التي من شأنها أن تكفل العدالة للجميع :
أ/ـ مجال الحقوق : بحيث يعطى لكل ذي حق حقه .
ب/ـ مجال القدرات : و تراعى فيها الجدارة و الكفاءة و الجهد و لكل بحسب استحقاقه و قدرته .
ج/ـمجال الحاجات الاجتماعية :  و تراعى فيه المطالب الضرورية للأفراد و ما يحتاجون إليه .
فيكون بذلك التوزيع انطلاقا من الاستحقاق و الاحتياج.
الخاتمة : العدل فضيلة أخلاقية مثالية ، ولا يظهر هذا العدل ممارسة و لا تطبيقا إلا من خلال مراعاة التوازن و التعادل بين الحقوق و الواجبات و بين المساواة و التفاوت .















برنامج دروس  مادة الفلسفة 3 ثانوي آداب وفلسفة                                                                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق