02 اداب وفلسفة


الإشكالية الثالثة: تاريخ الفلسفة:
المشكلة الثانية: تاريخ الفلسفة الإسلامية:
           مقدمة: ( طرح المشكلة): 
           إذا كان الفكر الإسلامي قائما على الإيمان بعقيدة التوحيد، فهل استطاع هذا الفكر إنتاج فلسفة قائمة على العقل؟ وهل استطاع الفكر الفلسفي الإسلامي أن يحقق التقارب و التوفيق بين العقل والإيمان؟
I.    الفلسفة الإسلامية التسمية و النشأة:
         أولا: مصطلح الفلسفة الإسلامية: يوحي بوجود ارتباط بين الفلسفة و الدين الإسلامي، والفلسفة الإسلامية تعني التأمل الفلسفي في الخلق، وفي صفات الله عز و جل، والتأمل في الوجود و الحياة و في مصير الإنسان و حريته و نفسه و أخلاقه... كما تهتم الفلسفة الإسلامية بدراسة العلاقة التي تربط الوحي بالعقل.
        ثانيا: عوامل نشأة الفلسفة الإسلامية:    
1) عوامل داخلية:
 أ) الدين: اهتم العلماء المسلمون بالتأمل في آيات القرآن الكريم، من أجل شرحها و فهمها و تأويلها، كما اهتموا بأحاديث الرسول – صلى الله عليه و سلم – و التأمل فيها و مقارنتها ببعضها البعض من أجل فهمها، كما كان للثقافة الإسلامية بصفة عامة دورا كبيرا في إثراء الفكر الإسلامي بصورة عامة و الفلسفة بصورة خاصة.
ب) اللغة العربية: لا يمكن للفلسفة الإسلامية أن ترقى إلا إذا كانت لها وسيلة للاتصال، وهذا هو الدور الذي لعبته اللغة العربية، التي تتميز بقوة و دقة و ثراء ألفاظها، كما أن نزول القرآن العظيم بالغة العربية زاد من قيمتها.
2) عوامل خارجية: من خلال احتكاك المسلمين بغيرهم من الأجناس و الثقافات المختلفة، انبهر الباحثون و العلماء بالتراث اليوناني، وتأثروا به تقليدا وترجمة (خاصة ترجمة مؤلفات " أفلاطون، أرسطو"، فمثلا: قلد الفارابي في كتابه " المدينة الفاضلة"، مؤلف أفلاطون " الجمهورية" الذي تحدث فيه عن " المدينة المثالية"، و ترجمت الكثير  من الكتب : الأخلاق، السياسة، ... و أهم المترجمين: الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن طفيل، ابن باجة،...، خاصة ابن رشد، الذي يلقب بالشارح الكبير.
ويمكن تقسيم مباحث الفلسفة الإسلامية إلى ثلاثة مباحث وهي:
- فلاسفة الإسلام: (وقد اهتموا بالفلسفة تقليدا و ترجمة) - علم الكلام -علم التصوف
        ثالثا: علم الكلام: عرفه ابن خلدون بقوله "هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، و الرد على الخصوم المنحرفين في الاعتقاد عن مذاهب السلف و أهل السنة".
من خلال التعريف نستنتج ما يلي:
1) أسباب ظهور علم الكلام: من خلال اتصال المسلمين بأهل الديانات الأخرى الذين كانوا على قدر كبير من الثقافة، و الذين أثاروا عدة قضايا و إشكاليات، تثير الجدل، مما دفع بالمسلمين الدفاع عن عقيدة التوحيد، بالأدلة العقلية.
2) أهم المسائل التي يهتم بها علم الكلام:
- ما هي الأدلة العقلية على وجود الله سبحانه وتعالى، و على وحدانيته؟
- هل وظيفة ولاية المسلمين دينية أم دنيوية؟
- ما هو حكم مرتكب الكبيرة؟
- كيف تفهم الآيات المتشابهات؟
- هل الإنسان مسير أم مخير؟
3) منهج المتكلمين: هو النظر العقلي الجدلي، وتختلف وجهات نظر علماء الكلام في استخدام العقل حسب وجهاتهم المذهبية ، و هم عدة فرق، أهمها:
أولاً: جماعة الخوارج: نشأت عام (657 م) وعرف عنها العداء الشديد لعثمان بن عفان في أواخر سنوات حكمه؛ ورفضوا التحكيم بين علي ومعاوية، بعد معركة صفين ، وكانوا من أتباع علي ، وطالبوه بقتال معاوية، وعندما رفض طلبهم خرجوا عن صفه. لخَص الخوارج موقفهم من نظام الحكم بأن " السلطة العليا للدولة هي الإمامة والخلافة " وقرروا أن المسلم الذي تتوفر فيه شروط الإمامة له الحق أن يتولاها بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه ، ( ليس شرطاً عندهم النسب القرشي أو العربي لمن يتولى منصب الإمام). وأجمعوا على أن الثورة تكون واجبة ضد أئمة الفسق والجور إذا بلغ عدد المنكرين على أئمة الجور أربعين رجلاً فأكثر. بالنسبة للخلافة عندهم فإن الوسيلة لتنصيب الإمام هي الاختيار والبيعة، وهنا يتضح موقفهم المعادي لفكر الشيعة القائل: إن الإمامة شأن من شؤون السماء. فالإمامة عند الخوارج من الفروع وليس من أصول الدين، ولذلك قالوا أن مصدر الإمامة هو الرأي وليس الكتاب أو السنة، قاتلوا علياً وكانوا أشداء في قتالهم للأمويين (معاوية) من بعده.
انقسم الخوارج إلى عدة جماعات هي : الأزارقة _ النجدات _ الصفرية _ الإباضية.  وهذه الأخيرة لا تزال إلى يومنا هذا في عُمان ومسقط وشرق أفريقيا وأجزاء من المغرب العربي وهم أقرب إلى السنة.
ثانياً: جماعة المرجئة: وهي من الإرجاء، بمعنى التأجيل، وهذا المصطلح قد عنى في الفكر الإسلامي، الفصل بين الإيمان باعتباره تصديقاً قلبياً ويقينياً داخلياً غير منظور؛ وبين العمل باعتباره نشاطاً وممارسة ظاهرية قد تترجم أو لا تترجم عما بالقلب من إيمان، وخلاصة قولهم أن الإيمان هو المعرفة بالله ورسله وما جاء من عنده، وما عدا ذلك ليس من الإيمان، ولا يضر هذا الإيمان ما يعلن صاحبه حتى لو أعلن الكفر وعبد الأوثان؛ فما دام العمل لا يترجم بالضرورة عن مكنون العقيدة فلا سبيل إذاً للحكم على المعتقدات، وما علينا إلا أن نرجئ الحكم على الإيمان إلى يوم الحساب، وتلك هي مهمة الخالق وحده وليست مهمة أحد المخلوقين في الحياة الدنيا.
ثالثاً:المعتزلة: جذورهم تعود إلى تيار أهل العدل والتوحيد الذي كان من أبرز قادته الحسن البصري المعروف بعدائه للنظام الأموي، وعارضها بإظهار موقف الإسلام المنحاز إلى حرية الإنسان واختياره وقدرته، ومن ثم مسؤوليته عن أفعاله، ثم جاء " واصل بن عطاء " تلميذ الحسن البصري الذي حدد الأصول الفكرية الخمسة للمعتزلة وهي: ( العدل / التوحيد/ الوعد والوعيد/المنزلة بين المنزلتين/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وكانوا ضد الأشعري وضد أحمد بن حنبل،  مثل المعتزلة تياراً عقلياً في الفكر العربي الإسلامي تميز بالنظرة الفلسفية لأمور الدين والدنيا حتى قبل حركة الترجمة عن اليونان، وكان طبيعياً أن يقدموا العقل في أمور الدنيا كما قدموه في أمور الدين وجعلوه حاكماً، كان العصر الذهبي للمعتزلة هو عصر المأمون من ( 813 م. / 833 م. ) والمعتصم (833م./ 842 م. ) والواثق ( 842 م. / 847 م. ) وبموت هذا الأخير انتهى عصر المعتزلة وحصل الانقلاب ضدهم وضد نزعتهم العقلانية على يد المتوكل ( 847 م. / 861 م. ) حيث اقتلعوا من مناصبهم وأبعدوا عن التأثير الفكري وزج بالكثير من أعلامهم في السجون، وأبيدت آرائهم.
رابعاً:الشيعة : وهي تعني لغوياً الأنصار أو الأعوان، أو الأتباع ، أما في إطار الفكر الإسلامي فقد غلب هذا المصطلح "الشيعة " على الذين شايعواً وناصروا عليا بن أبي طالب  (600 م. / 661 م.) والأئمة من بنيه. وأهم ما يميز الشيعة ، نظرية " النص والوصية " أي النص على أن الإمام بعد الرسول هو علي بن أبي طالب، الوصية من الرسول _ بأمر الله _ لعلي بالإمامة ، وكذلك تسلسل النص والوصية بالإمامة للأئمة من بني علي ، والشيعة تنقسم إلى عدة تيارات ، أهمها هي : أ‌) الإمامية الإثني عشرية. ب‌) الزيدية. ج) الإسماعيلية.
  خامسا: الأشاعرة: تنسب إلى أبي الحسن الأشعري، تقول بأولوية الوحي على العقل،و هي تتخذ موقفا وسطا بين المعتزلة و الجهمية، في مختلف القضايا ، كالحرية، المسؤولية،...
  سادسا: الجهمية: نسبة إلى جهم بن صفوان، وهي تخالف المعتزلة في كل القضايا ، خاصة في مشكلة الحرية، فالمعتزلة تقول بالحرية المطلقة، أما الجهمية، فإنها تخالفها و تقول بالجبر، أي أن الإنسان مجبر و مقيد.
II.     ماذا عن خصوصيات القضايا الفكرية التي يثيرها المفكرون الإسلاميون؟
       أولا: قضية التوفيق بين الدين والفلسفة:
1) قضية التوفيق بين الدين و الفلسفة من حيث المحتوى:
أ) الدعوة إلى استخدام العقل في الدين الإسلامي: ليس في القرآن أو الحديث النبوي الشريف فلسفة جاهزة، بل توجيهات تدعوا إلى التفكير  و التدبر من خلال استخدام العقل، حيث ذكر "العقل" في القرآن الكريم(49 مرة)، وذكر مصطلح "حكمة"(19 مرة)، و ذكر مصطلح " اللب" (16 مرة).
ب) فالعقل استخدم في القضايا الخلافية، فيما يسمى بـ: الاجتهاد، و القياس...
2) قضية التوفيق بين الدين و الفلسفة من حيث المبادئ:
أ) التأمل في مبدأ عقيدة التوحيد: من خلال ممارسة التأويل كضرورة اجتهادية، وقد ظهر التأويل عند أربع فئات هم:( الفقهاء/علماء الكلام/الفلاسفة/رجال الصوفية).
- التأويل: هو إخراج اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية دون الإخلال بالمعنى، أما ما يجب تأويله، و ما لا يجب فيرجع إلى الإجماع.
ب) التأمل في الغيبيات : فقد طرح الفلاسفة قضية الوجود الإلهي كما يلي:
- الكندي: البحث في الوجود الإلهي من خلال الموجودات التي تدل على الله عز و جل.
- الفارابي: من خلال البحث في الذات الإلهية.
- بعض علماء الكلام: البحث في مخلوقات الله و أفعاله.
        ثانيا:التكامل بين الدين و التفكير الفلسفي:
  1) التكامل من حيث الغاية:
أ) بين عقلنة الدين و ديننة العقل:
* عقلنة الدين: " التصور العقلاني للدين" يرى إخوان الصفا و خلان الوفاء أن غرض الأنبياء و الحكماء واحد.
* ديننة العقل : " النزعة التصوفية" تتجه اتجاها معاكسا لـ :عقلنة الدين". و تقول بأسبقية الدين عن العقل.
وهذا الاختلاف نجده  في تعارض موقف المعتزلة ( عقلة الدين)، و موقف الأشاعرة (ديننة العقل)
ب) إمكانية التقريب بين الدين و الفلسفة للوصول إلى الحقيقة: (في الكتاب المدرسي،ص.140)
من خلال قصة حي بن يقظان لابن طفيل)، نستنتج من هذه القصة وجود تكامل بين الدين و الفلسفة ، فالله عز وجل أنزل الوحي على الإنسان و انعم عليه بنعم كثيرة أهمها العقل.
2) التكامل من حيث المنهج:
أ) رسم الحدود بينهما و تعيين سبل التكامل:
إن الفلسفة تعالج أمورا لا تتعرض لها الشريعة، و الشريعة تعالج أمورا لا تتطرق لها الفلسفة، و الانسجام يظهر فيما هو متفق فيه بينهما. و عندما يعجز العقل تأتي الشريعة لتتمه، و عندما نزل الوحي، جاء العقل لينظر فيه و يتدبر، وأهم من بين هذا الاتصال بين الشريعة و الفلسفة ابن رشد في كتابه : " فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال".
ب) جدلية تحصين العقل بالإيمان و تعميق الإيمان بالعقل: إن الاعتقاد الصحيح بالدين مؤسس على قناعة و نظر عقلي، و من جهة أخرى فإن العقل دون دين غير محصن من الكفر.

           خاتمة:( حل المشكلة):
           إن الفكر الفلسفي الإسلامي ليس منعزلا عن الثقافات العالمية الأخرى، ومنها اليونانية، و لكنه فكر أصيل و متميز، في إطار الشريعة الإسلامية من خلال اللغة العربية.


























الإشكالية الثالثة: تاريخ الفلسفة.
المشكلة الثالثة: تاريخ الفلسفة الحديثة.
       تمهيد:  
       الحديث لغة: ضد القديم، و هو يعني الجديد المتفتح على الحقائق والموافق لروح العصر. 
فالفلسفة الحديثة: كانت فلسفة جديدة، و ثورة على القديم و خاصة فلسفة العصور الوسطى الأوروبية ( بعد الفلسفة اليونانية) التي سيطرت فيها الكنيسة، و قيدت حركة العقل، تحت شعار:" اعتقد و لا تنتقد"، فكانت الفلسفة الحديثة ثورة و تمرد على تلك المعتقدات.
- أما فيما يخص بداية الفلسفة الحديثة، فقد اختلف الفلاسفة في ضبطها و ربطوها بـ:
* فتح القسطنطينية من طرف محمد الفاتح العثماني، و انهيار الإمبراطورية البيزنطية.
* الكشوفات الجغرافية الحديثة،(كريستوف كولومبس...)
* اختراع الطباعة.
* هناك من يرى أن الفلسفة الحديثة، لم تظهر دفعة واحدة في كل أوروبا، و إنما تختلف في بدايتها من دولة إلى أخرى.
 مميزات الفلسفة الحديثة:
1) ظهور الفكر البورجوازي: و تشيعه على بروز النزعة الفردية العنيفة في الاقتصاد، و السياسة ، ...
2) اتساع الروح الفلسفية الحديثة بالرجوع الى الطبيعة، و الدعوة الى المساواة و التحرر من كل القيود.
3) الثورة الصناعية، و سيطرت الإنسان على الطبيعة ، كان له صدى في مجال الفلسفة بظهور اتجاهات مختلفة .
4) الثورة على حكم الكنيسة و رفض أفكارها .

 طرح المشكلة: كيف تمكن الفكر الفلسفي الحديث من تجاوز الفكر التقليدي، و تأسيس نظرية في المعرفة قائمة على العقل و على التجربة، وكيف استفاد من تطور العلم في جعل هذه النظرية تنويرية، نقدية، و نسقية شاملة؟
  كيف استطاعت الفلسفة الحديثة تجاوز سلطان الفكر التقليدي و الأخذ بمرجعية العقل و التجربة؟ I
أولا: تجاوز سلطان الفكر التقليدي والأخذ بمرجعية العقل:
يعد الفرنسي "روني ديكارت" (1596 / 1650م): رائدا للفلسفة العقلانية في العصر الحديث، كان في الوقت نفسه رياضياً ممتازاً إذ ابتكر الهندسة التحليلية .
 1) تأسيس العقل من الشك إلى البناء:
يرى بعض الباحثين أن الكوجيتو الديكارتي "أنا أفكر إذن  أنا موجود" هو نقطة بداية الوعي الأوروبي العقلاني الحديث، وقد بدأ ديكارت من الشك، يرى ديكارت أنه يوجد شيء واحد يقاوم الشك، وهو الشك نفسه، فليس بالإمكان إنكار ذلك.
لقد استهدفت فلسفة ديكارت تحقيق ثلاثة أمور:
ـ إيجاد علم يقيني فيه من اليقين بقدر ما في العلوم الرياضية.
ـ تطبيق هذا العلم اليقيني تطبيقاً عملياً يمكّن الناس "من أن يصيروا بمثابة سادة ومالكين للطبيعة.
ـ تحديد العلاقة بين هذا العلم وبين الموجود الأعلى أي الله، وذلك بإيجاد ميتافيزيقا تتكفل بحل المشاكل القائمة بين الدين والعلم
وتتحقق الغاية الأولى بإيجاد منهج علمي دقيق، وهذا ما عرضه ديكارت في كتابه: (مقال في المنهج) و(قواعد لهداية العقل). ويقوم هذا المنهج على عدة قواعد، أهمها القاعدة التي تعبر عن الشك في الحواس الذي سينعت بالشك الديكارتي و (الكوجيتو الديكارتي)، وما يتوصل إليه، كنتيجة،  تكون عن طريق التفكير العقلاني، المستقل عن كل سلطة معرفية خارجية.
 2) تأسيس العقل بوحي من المنهج الرياضي:
طريقة الاستنتاج عند ديكارت تقوم على أربع قواعد هي:
* البداهة: الشيء الواضح يكون واضحا بالبداهة.
* التحليل: أي تفكيك الموضوع إلى أجزاء لمعرفة مكوناته.
* التركيب: أي إعادة تأليف الأجزاء لتكوين رؤية مركبة.
* الإحصاء و المراجعة: أي التأكد من المراحل السابقة و التدقيق في أمرها.
المنهج الديكارتي مرجعية عقلانية تؤسس لفلسفة جديدة تتجاوز الفكر التقليدي، وقد سار على نهج ديكارت الكثير من الفلاسفة، أهمهم: " نيكولا مالبرانش" ، " باروخ سبينوزا" ، " ليبتز" ...
 ثانيا: تجاوز سلطان الفكر التقليدي والأخذ بمرجعية التجربة:  
1) الإحساس أداة لتحصيل المعرفة:
- جميع معارفنا مستقاة من الخبرة الحسية، و لا وجود لأفكار فطرية سابقة( قبلية) في العقل.
- العقل عاجز عن تكوين الأفكار بعيدا عن التجربة الحسية ، فهو صفحة بيضاء.
2) المعرفة المباشرة للطبيعة مصدر كل تأمل و بحث:  
 يعتبر الانجليزي "فرانسيس بيكون" (1561 / 1626م) الرائد الأول في الفلسفة الأوروبية للمنطق الاستقرائي، وواضع الأسس المنطقية للمذهب التجريبي، فبعدما كانت الاكتشافات العلمية تجري عن طريق الصدفة أو المحاولة والخطأ، جاء بيكون فوضع أسس منهج البحث العلمي، الذي يقود الباحث إلى اكتشاف القوانين الطبيعية.لقد حاول بيكون التعويل على الطريقة الاستقرائية ونبذ الطريقة القياسية الموروثة من أرسطو. فقد كان من أكبر المناهضين (ضد) لأرسطو، حيثُ ابرز نقائض المنطق الصوري، ودعا إلى ضرورة الاعتماد على التجربة، لأنه يرى أن العلم الصحيح هو القائم‏ على الملاحظة و التجربة. وكان كتابه "الأورغانون الجديد"  الذي بدأ يعمل فيه منذ سنة 1608م ثم عدَّل فيه 12 مرة، ونشره نشرة نهائية سنة 1620م، من أهم الأعمال التي فتحت الطريق لإصلاح العلوم باعتماد المنهج التجريبي، وانتقد عدة أمور عبر عنها بالأوهام : مصطلح أطلقه بيكون على الأخطاء الشائعة التي يجب التحرز منها في البحث العلمي و هي :
* أوهام القبيلة : ترجع إلى قصور في الفهم عند جميع الناس.
* أوهام الكهف: وترجع إلى قصور فهم الفرد و تحيزه.
* أوهام السوق : وترجع إلى قصور اللغة في نقل الأفكار.
* أوهام المسرح: وترجع إلى التسليم ببعض المذاهب الفلسفية دون بحث.
وقد طور المنهج التجريبي فيما بعد مع : " جون لوك" ، " دافيد هيوم" ، " جون ستيوارت ميل"...
ومن طريف ما يؤثر عنه أن آخر عبارة خطها قلمه وهو على سرير الموت هي: "لقد نجحت التجربة نجاحاً عظيما".
*) الأخذ بمرجعية العقل و التجربة:
استطاع الألماني "إيمانويل كانط" (1724 / 1804م): أن يتجاوز مشكلة التعارض بين المذهب العقلاني و المذهب التجريبي ، إذ يرى أننا بحاجة إلى حقائق كلية مستقلة عن التجربة كالمعرفة الرياضية ضرورية و تؤكدها التجربة اليومية و في المستقبل. إن الآثار الحسية هي المادة الخام التي تبدأ بها التجربة و الحافز على تنشيط العقل، يقول كانط: " الإحساسات و الأفكار هي خدم لنا تنتظر دعوتنا ولا تأتي إلى أذهاننا إلا إذا احتجنا إليها" كما يقول أيضا: " إن الإدراكات الحسية بغير المدركات العقلية عمياء ، و المدركات العقلية بغير الإدراكات الحسية جوفاء.
وعليه فإن الفلسفة الحديثة اهتمت بالمعرفة ، فكان هناك اتجاه فرنسي يأخذ بمرجعية العقل ، و خلافا له هناك اتجاه انجليزي يأخذ بمرجعية التجربة ( الحواس) ، و هناك اتجاه يركب بين الاتجاهين هو الاتجاه النقدي الذي أسسه "إيمانويل كانط " في ألمانيا.
وكيف استطاعت الفلسفة الحديثة تحرير وعي الإنسان و تنويره و تغيير واقعه الاجتماع؟II  
أولا: الفلسفة و دورها في تحرير وعي الإنسان وتنويره:
1) تحرير العقل من سجن الاعتقاد و الأوهام:
* الابتعاد عن الأوهام/ و الاعتقادات الفاسدة، و الأحكام المطلقة، و التحرر من التأمل الميتافيزيقي الذي لا فائدة منه.
* الانتقال من جبر الغريزة إلى الإرادة الحرة المميزة للإنسان،...إرادة العقل في التغيير.
* الانتقال من النظر الذي لا طائل منه، إلى العمل وفقا للواقع و مواجهته.
* الدعوة لتحقيق الإخاء الإنساني، بمعرفة قيمة الإنسان...
2) موسوعية المعارف و الانعتاق الفكري:
تتمثل رسالة الفلسفة الحقيقية في:
* تنوير الذهن بمعارف جديدة.
* دفع العقول إلى التساؤل و التفكير.
* الدفاع عن حقوق الإنسان الطبيعية"حق الحياة و الحرية".
ثانيا: الفلسفة و دورها في تغيير واقع الإنسان الاجتماعي:
إذا كانت الفلسفة وسيلة للتغيير فهل تعتمد على الفطرة الذاتية أو على العقل الموضوعي؟
1) من المجتمع المسيج إلى الفطرة و الطبيعة:
يقول الفرنسي " جون جاك روسو": "إن تخلي المرء عن حريته، إنما هو تخل عن واجباته." ويقوم موقف روسو على:  * أن الإنسان قابل للاكتمال. * أن كل ما يصدر عن الإنسان لا يكون إلا كليا و خيرا. * أن الإنسان يفتقر إلى سلطة سياسية، لأن الإنسان في المجتمع لم يعد على طيبته التي يفترض أنه كان عليها في حالة الطبيعة، بل تشوهت.
2) تحرير المجتمع من الاستبداد المطلق:
* المجتمع الأوروبي لا يقدم بالضرورة أفضل مثال للحضارة، لذا يتوجب اعتماد التجريب لرصد نقائص المؤسسات و النظم القائمة ومعالجتها.
* ساهمت الفلسفة من الحد من التسلط الديني، من خلال تقبل نمط حياة الآخرين دون استعلاء.
* لابد من الفصل بين السلطات الثلاث ( التشريعية/ التنفيذية/ القضائية) من اجل حفظ الحريات المدنية.
* النضال ضد الانحلال الاجتماعي، بإعادة الاعتبار لقيم الفضيلة و الشرف...
  وكيف ترى معيار الصدق: فهل هو مجرد مطابقة النتائج للمقدمات، أو هو مطابقة النتائج للواقع؟III
أولا: الحقيقة هي مطابقة الفكر لنفسه:
1) بناء نسق المعرفة الشاملة:
بفضل التحليل النقدي البناء للأفكار في الفلسفة تصبح المعرفة أكثر شمولية، فهي مركبة بين المعقولات و المحسوسات ، أي بين المعرفة النظرية للفلسفة و التجربة الحسية، أي العلم وهو ما أشار إليه " كانط" في نظريته النقدية في المعرفة.
2) جدلية الفكر السابق للمادة:
ترى جدلية "فريدريك هيغل" (1770 / 1831 م) أن (الفكر سابق للواقع)، أي أن الواقع انعكاس للفكر، فالجدل عند "هيغل" عبارة عن منطق حيوي يمر بمراحل ثلاث: ( الموضوع(الفكرة)/ نقيض الموضوع/ التركيب بين الموضوع و نقيضه)، فالفكرة تناقض المادة، كما أن الفكرة تتطور.
* ما هي قيمة جدلية "هيغل"
تجاوز هيغل العقلانية التقليدية، التي ترى أن الحقيقة في مبدأ الهوية، كحقيقة مطلقة، و جعل الحقيقة في مبدأ التناقض، الذي يؤدي إلى تركيب حقيقة جديدة.
يقول هيغل : " إن ما هو معقول واقعي، و ما هو واقعي معقول"
ثانيا: الحقيقة هي مطابقة الفكر مع الواقع:
1) جدلية المادة السابقة للفكر: "جدلية كارل ماركس"( 1818/1883 م):
(الواقع سابق على الفكر)، فالفكر عند ماركس هو انعكاس للواقع الاجتماعي و للطبيعة.
* حركة التاريخ هي حركة مادية، فمختلف الحوادث التاريخية و الاجتماعية تنشأ عن أسباب اقتصادية و مادية، "صراع الطبقات الاجتماعية".
2) الفكر الوضعي: " أوغست كونت"(  1798/1857م)
معنى الفكر الوضعي: هو مطابقة الفكر و الحقيقة للواقع، أما المعنى الفلسفي لهذا الفكر هو أن تفسير الظاهرة يتم من خلال معرفة العلاقات التي تحكمها  في الواقع، و يفسر الظواهر من خلال القوانين العلمية، و يرى " أوغست كونت" أن الفكر البشري مر بثلاث مراحل:
أ) المرحلة اللاهوتية: و يعتمد الإنسان فيها على التفسير الديني، و قد تميزت كذلك بالتفسير الخرافي و الأسطوري.
ب) المرحلة الميتافيزيقية: و يعتمد فيها الإنسان على التفسير الفلسفي العقلي المجرد، مثل : تفسير " أرسطو" ( بالأسباب و العلل الأولى).
ج) المرحلة الوضعية: و تفسر الظواهر من خلال القوانين العلمية، أي ما أنتجه العلم من قوانين.

خاتمة: لعبت الفلسفة الحديثة دورا كبيرا، من خلال تقديس العقل، كذلك من خلال تنظيم المنهج التجريبي، ووسائل البحث و تتميز بأنها تربط الفكر بالواقع، و الواقع بالفكر، سواء من خلال الواقع العلمي أو الاجتماعي. والاهتمام بالواقع و العمل على فهمه و تغييره



الإشكالية الثالثة: تــاريخ الفلسفة.

المشكلة الرابعة: الفلسفة المعاصرة

مذاهب القرن التاسع عشر. 1    
اتسم القرن التاسع عشر بالسعي لبناء نظم فلسفية، أي العمل على التأليف والتركيب بين الأفكار، فخرجت مذاهب بعض الفلاسفة عبر مزج معطيات فلسفية سالفة. كما تأثرت المذاهب الفلسفية بالعلم مثلما نجد في المذهب المادي والوضعي
ففي ألمانيا تبنى المادية فويرباخ (1804 / 1872م)،
اما في فرنسا فقد أسس أوجست كونت (1798 / 1857م) الفلسفة الوضعية، وتبعه جون ستيوارت مل (1806 / 1873م) في انجلترا، وارنست لاس (1837 / 1885م ) ويودل (1848/ 1914م) في المانيا. وقد رأى هؤلاء جميعاً أن الفلسفة ليست إلاّ تجميعاً لنتائج العلم
وجرى تأييد المذهب المادي الوضعي تأييداً حاسماً بمذهب تشالرز دارون (1809/ 1882 م) العالم الانجليزي الذي فسر تطور أنواع الكائنات الحية في كتابه "في أصل الأنواع بالانتخاب الطبيعي". وصارت فكرة التطور مذهباً شاملاً عاماً، وأدت إلى ظهور المذهب التطوري الذي دافع عنه توماس هنري هكسلي ( (1825 / 1895 ، وهربرت اسبنسر (1820 / 1903م)، بينما نشره في مختلف طبقات القراء الالماني ارنست هيغل (1834 / 1919م)
بالإضافة إلى ذلك فان القرن التاسع عشر شهد اتجاهاً لاعقلياً في الفلسفة الأوروبية يعارض المذهب العقلي الهيغلي، وممثل هذا الاتجاه الفيلسوف الألماني شوبنهور (1788 /1860م) الذي كان يرى أن المطلق ليس العقل بل إرادة عمياء ولا عقلية. والى جانب شوبنهور ظهر الفيلسوف الدانماركي كيركجارد (1813/1855م) ليدفع إلى مدى ابعد الهجوم على المذهب العقلي. وفي مرحلة تالية ظهر فريديريك نيتشه (1844_1900م) الذي دعا لمراجعة كل القيم ونادى بعبادة الرجل العظيم/
ومن أبرز المذاهب التي ظهرت في القرن التاسع عشر البراغماتية أو الذرائعية. وقد هيمنت البراغماتية على الحياة العقلية مدة طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي فلسفة تتخذ من العمل مقياساً مطلقاً، وقد وردت هذه الفكرة للمرة الأولى في مقال للفيلسوف الأمريكي تشارلز ساندرز بيرس(1839 / 1914م)  في سنة 1878م بعنوان: "كيف نوضح أفكارنا". ولم تتضح أهمية هذا المقال إلاّ بعد أن كشف عنه وليم جيمس(1842 / 1910م) في محاضراته عن البراغماتية سنة 1898م "المفاهيم الفلسفية والنتائج العملية"
واقترنت البراغماتية في الأذهان باسم وليم جيمس  وهو أكبر دعاتها في أمريكا، وأحد مؤسسي علم النفس الحديث، ويرى جيمس أن معيار صدق القضية هو نتائجها العملية، وليس مطابقتها للواقع، ومعيار الحقيقة هو نجاح الفكرة عملياً، فيقول: "الفكرة صادقة إذا كانت تعمل"، ويقول: "الفكرة صادقة إذا كانت لها نتائج عملية تقودنا إلى الموضوع المقصود بها إدراكه" . ويتابع "القضية صادقة إذا كانت تعطينا أكبر كم من الرضا، بما في ذلك إرضاء الذوق… وان أهم خاصية للحقيقة هي التحقق العملي"
ويذهب الفيلسوف الامريكي البراغماتي جون ديوي (1859 / 1952م) إلى أن تحديد مفهوم ما أي فكرة إنما هو بأنها أداة فعل. و يقول: "النظرية أداة أو آلة للتأثير في التجربة وتبديلها، والمعرفة النظرية وسيلة للسيطرة على المواقف الشاذة، أو وسيلة لزيادة قيمة التجارب السابقة من حيث دلالاتها المباشرة"
وينجم عن ربط الحقيقة وصدق الفكرة بالنتائج العملية والرضا والمصلحة نسبية الحقيقة وتعددها، تبعاً لتنوع مصالح الأفراد. وهذا يعني أن البراغماتية تتعارض مع المذهب العقلي الذي يعتقد أن الحقيقة وصدق الفكرة مرهون بكشفها عن الواقع ومطابقتها للحقائق الخارجية. ويبدو أن البراغماتية تجسد أحدى تجليات الوعي حيث أضحت الحقيقة في هذا الوعي تدور مدار المصلحة
2-     مذاهب القرن العشرين
اتسم النصف الأول من هذا القرن بغزارة الإنتاج الفلسفي، ففي ايطاليا وحدها كان عدد المجلات الفلسفية المتخصصة لا يقل عن الثلاثين في عام 1946م، كما أن قائمة غير كاملة للكتب الفلسفية، أصدرها المعهد الدولي للفلسفة اشتملت على أكثر من سبعة عشر ألفاً من المنشورات في النصف الأول من العام 1938 م
ويمارس الفلاسفة الغربيون في القرن العشرين طرائق التحليل أكثر من أية طريقة أخرى، مخالفين بذلك اتجاه الفلاسفة في القرن التاسع عشر الذي كان يعلو فيه التركيب والمزج على التحليل
وقد تميزت هذه الحقبة بكثافة الاتصالات بين الفلاسفة من شتى الاتجاهات، وتعدد المؤتمرات الفلسفية الدولية واللقاءات ذات الموضوعات المتخصصة التي تتناول مذهباً بعينه أو موضوعاً خاصاً
كذلك أسست مجلات للمذاهب،
من هنا يمكن القول إن هذه الفترة من أخصب فترات الإنتاج الفلسفي في الغرب، وان عدداً كبيراً من فلاسفة القرن العشرين سوف يترك آثاراً دائمة في تاريخ الفكر الفلسفي
ومنذ بداية هذا القرن تبلورت بالتدريج بعض الاتجاهات والمناهج والمدارس التي سادت التفكير الفلسفي في الغرب، وتحول بعضها إلى تيار واسع نفذ إلى كافة ميادين الحياة الثقافية هناك، بل تجاوز حدود أوروبا متوغلاً في شعوب أخرى
وفيما يلي إشارات سريعة إلى ابرز تلك المناهج والمدارس والاتجاهات
أ ـ المنطق الرياضي
أهملت الفلسفة الأوروبية الحديثة المنطق الصوري حتى توارى في زوايا النسيان، فلم يكن بين الفلاسفة في أوروبا الحديثة إِلاّ واحد هو ليبنتز، كان منطقياً مرموقاً، أما الآخرون فكانوا يجهلون أسس المنطق الصوري
وفي عام 1847م ظهر كتابان في المنطق الرياضي الجديد، كل منهما مستقل عن الآخر، هما أول ما نشر في ذلك، الأول للرياضي الانجليزي دي مورغان (1806 ـ 1878 م)، والثاني لمواطنه الرياضي جورج بول (1815 ـ 1864م). واستمر في الاتجاه نفسه ارنست شرودر(1841 ـ 1902م)، وبيانو (1858 ـ 1932م)، وفريجه (1848 ـ 1925م) الذي كان منطقياً مرموقاً
بيد أن هذا المنطق ظل مجهولاً عند معظم الفلاسفة، ولم تتجه الفلسفة الانجليزية للاهتمام به إِلاّ بعد نشر برتراند رسل (1872 – 1970م) لكتابه "أسس الرياضيات" في عام 1903م، وذلك إثر مقابلته مع الرياضي بيانو عام 1900م. وفي   1913م ظهر الكتاب الضخم "مبادئ الرياضيات" الذي اشترك في تأليفه رسل مع وايتهد (1861 – 1947م)، وهو المؤلف الذي أسرع من خطا تطور المنطق الرياضي
وقد أثر المنطق الرياضي تأثيراً مزدوجاً على الفلسفة، فمن ناحية ظهر انه أداة دقيقة في تحليل المفاهيم والبراهين، وانه أداة يمكن تطبيقها على ميادين أخرى غير الرياضيات. ومن ناحية أخرى أدى المنطق الرياضي إلى إلقاء الضوء على مشكلات عتيقة، مثل مشكلة الثالث المرفوع وغيرها
ب ـ الظاهراتية (الفنومنولوجيا
يقوم المنهج الفنومنولوجي في أساسه على تحليل جوهر المعطى أو الظاهرة. وهو يمثل الاتجاه الثاني بعد المنطق الرياضي الذي ظهر في الفكر الأوروبي وساهم في قطع الجسور مع اتجاهات القرن التاسع عشر. والاختلاف الرئيس بين هذا المنهج والمنطق الرياضي يتمثل في أن المنهج الفنومنولوجي لا يستخدم الاستنباط على الإطلاق، ولا يهتم إِلاّ قليلاً باللغة، ولا يقوم بتحليل الوقائع التجريبية بل بتحليل الماهيات
ومؤسس هذا المنهج هو ادموند هوسرل(1859 _ 1938م) الذي كان قد درس الرياضيات والفلسفة في لايبتزيج وبرلين وفينا، قبل أن يصبح فيلسوفاً يطبع عصره بطابعه المنهجي الخاص. ولا يخلو فكر هوسرل من اللبس أحياناً والغموض أحياناً أخرى، لذلك قد لا يكون ممكناً تقديم عرضٍ موجزٍ يفصح عن تمام أبعاده
ج - فلسفة الحياة: اهتم الفرنسي هنري برغسون(1859 – 1941م) بالجانب الداخلي في الانسان ، وقال بالديمومة و الحرية ، معتمدا على المنهج الحدسي ، وقال باستمرارية الشعور
د ـ الوضعية المنطقية
اسم أطلق عام 1931م على الأفكار الفلسفية الصادرة عن الجماعة التي أطلقت على نفسها (جماعة فينا). وقد أنشأت هذه الجماعة في أوائل العشرينات من القرن العشرين حلقةً للمناقشة غير رسمية بجامعة فينا، يتزعمها موريس شليك(1882 ـ 1936م) أستاذ كرسي العلوم الاستقرائية في هذه الجامعة
ومن أعضاء هذه الجماعة البارزين رودلف كارناب(1891 ـ 1970م)، وفردريك فايزمان، وكلاهما تعلم تعليماً رياضياً في بداية الأمر، وكارل بوبر(1902 ـ 1991 م). وانخرط في هذه الجماعة مجموعة من العلماء توزعت اهتماماتهم العلمية في عدة تخصصات، فمثلاً كان(هانزهان) و(كارل مينجر) و(كورت جودل) من علماء الرياضيات، بينما كان (أوتونيورات) عالم اجتماع، و(فكتور كرافت) مؤرخاً، و(فليكس كوفمان) رجل قانون، و(فيليب فرانك) أستاذ فيزياء بجامعة براغ. أما سبب لقاء هذه الجماعة في حلقة معرفية مشتركة، فيعود الى توحدها في هم مشترك بينها، يتمثل في الاهتمام بالمنهج كمدخل أساسي، والسعي لتأسيس الفلسفة العلمية أو التنظير للفلسفة علمياً من خلال ممارسة التحليل المنطقي، فضلاً عن السعي لتوحيد العلوم جميعا
والتأثير المباشر على فلسفة جماعة فينا جاء من كتابات هيوم، ومل، وارنست ماخ، وغيرهم، لكن التأثير الأكبر والأخطر جاء مباشرة من رسالة فتجنشتين(1889 ـ 1951م) "رسالة منطقية فلسفية" التي صدرت بالألمانية عام 1921 م، وترجمت إلى الانكليزية عام 1922م
وفي عام 1929م أصدرت جماعة فينا مؤلفاً بعنوان "حلقة فينا تصورها العلمي للعالم" أعلنت فيه عن أهدافها ومنهجها. وبعد ذلك بعام ابتاعت الجماعة صحيفة (حوليات الفلسفة) وأطلقت عليها اسماً جديداً هو مجلة (المعرفة) التي اشرف على تحريرها (كارناب) و(رايشنباخ)، واخذت تنشر أبحاث الوضعية المنطقية
وبعد اشتهار الوضعية المنطقية عالمياً انفرط عقد جماعة فينا، ففي عام 1930 م صار كارناب استاذاً بجامعة براغ، ورحل هربرت فايجل الى الولايات المتحدة، ومات هانزهان عام 1934، وقُتِل شليك على يد أحد تلامذته عام 1936 م. ثم منعت السلطات النازية نشاط الجماعة عام 1938م، فتوزع بقية أعضائها بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وأضحى كل عضو منهم يعمل بمفرده
وينبغي الإشارة إلى أن الفلاسفة البارزين في الوضعية المنطقية كلهم من الألمان، لكن بعد أن ذاعت دعوتها تجاوب معها بعض الفلاسفة في أوروبا والولايات المتحدة، خاصة في بريطانيا، فقد تبنى أفكارها (ألفريد جويز آير) الذي اشتهر بوضعه كتاب "اللغة والصدق والمنطق" في عام 1926م، والذي كان من أكثر الكتب رواجاً بين الناطقين بالانكليزية وأشدها تأثيراً في الفكر الفلسفي في بريطانيا، سار فيه على خطى رسل وفتجنشتاين وجماعة فينا، ولكنه خرج على الشكل العام للوضعية المنطقية وأدخل عليه بعض عناصر التراث التجريبي البريطاني عن طريق باركلي وهيوم
هـ ـ الوجودية
تطلق الوجودية على اتجاهات فلسفية متعددة، تتفق على أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق وجودُه ماهيَّته، وان الإنسان لا يمكن فهمه إلا في المواقف التي يختارها لنفسه
وتندرج في الوجودية اتجاهات يقول بعضها بوجودية مسيحية يمثلها كل من سورين كيركغارد (1813 ـ 1855م)، وغبرييل مارسيل(1889 ـ 1973م)، ووجودية ملحدة يمثلها كل من مارتين هيدغر(1889 ـ 1976م)، وجان بول سارتر(1905 ـ 1980م ) ، أو وجودية فردانية نجدها عند كيركغارد وسارتر، ووجودية منطبعة بالماركسية كما عند هنري لوفيفر. وقيل بوجودية لا تنطوي تحت هذه التصنيفات كوجودية كارل ياسبرز(1883 ـ 1969م)، وموريس مرلوبونتي(1908 ـ 1961)
لقد كان للوجودية تأثيرا واسعا على الثقافة والأدب والفنون، مثلما نلاحظ في روايات ومسرحيات سارتر، وألبير كامو، وسيمون دي بوفوار، وجان جينيه وغيرهم، وامتد تأثيرها على مظاهر الحياة الاجتماعية لاسيما لدى الشباب
وـ ـ مدرسة فرانكفورت
نشأت هذه المدرسة في جامعة فرانكفورت حول معهد البحث الاجتماعي الذي تأسس عام 1923 م، وكان مؤسسوها أربعة من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، وهم: ماكس هوركهايمر (1859 ـ 1973م) مؤسس معهد البحث الاجتماعي ومديره لمدة طويلة، وأدورنو(1903 ـ 1969م) الذي عمل أستاذاً في جامعة فرانكفورت، وماركوز (1898 ـ 1979م) الذي درس الفلسفة في برلين وفريبورج وحاضر في جامعات كولومبيا وهارفارد، وكان أستاذاً للفلسفة والسياسة في جامعة براندايز، ثم اصبح استاذاً للفلسفة في جامعة كاليفورنيا بسان ديبجو، وهابرماس (1929م) الذي كان أستاذا للفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة فرنكفورت ثم أصبح مديراً لمعهد ماكس بلانك في شتارنبرج. أسس المعهد (مجلة البحث الاجتماعي) لنشر أبحاث هذا الفريق، فكانت الأبحاث تحقيقاً لمشروع مشترك، وهو تأسيس النظرية النقدية للعلوم الاجتماعية في صيغة برنامج مشترك، وهو يعادل في الفكر المعاصر المذهب في الفلسفة الحديثة
كانت هذه المدرسة تعمل كفريق مشترك، إذ يأخذ هوركهايمر الموقف، ويقوم زملاؤه بالبحث: (بولوك) في الاقتصاد السياسي،  و(فروم) في التحليل النفسي، و(لوفنتال) في النقد الأدبي، و(ماركوز) في الفلسفة، و(أدورنو) في الموسيقى خاصة وفي النقد الادبي والتحليل النفسي وعلم الاجتماع عامة
أجرت مدرسة فرنكفورت مراجعة شاملة للوعي الأوروبي تكويناً وبنية، وأعادت النظر في أهم مذاهب الفلسفة الغربية وتياراتها، وقد بيَّنَ هوركهايمر وأدورنو حدود التنوير بأنه أعلى ما وصل إليه الوعي الأوروبي، وأعلنا نهايته
ز ـ البنيوية
بلغت البنيوية أو (البنائية) ذروة ذيوعها كاتجاه فكري فلسفي في الستينات من القرن العشرين، وبات مألوفاً بين المثقفين أن يُنظَر إليها كمذهب فلسفي يتسم بالشمول ويهدف إلى تقديم تفسير موحد لعدد واسع من قضايا الفكر والمعرفة، فقد امتدت إلى ميادين متنوعة انبسطت على عدة مجالات، ففي مجال اللغويات نجد (جاكوبسون) و(شومسكي)، وفي التحليل النفسي نجد (لاكان)، وفي النقد الأدبي (رولان بارت) الذي فتح عهداً جديداً في تفسير النصوص على أساس بنائي، وفي الفلسفة كان (ميشال فوكو) يبهر الجماهير بآرائه في كتابه ( الكلمات والأشياء)، أما (التوسير) فقد كان يقرأ التراث الماركسي (رأس المال) قراءة بنائية جديدة، وكان عالم الانتربولوجيا (كلود ليفي شتراوس) يواصل جهوده الحثيثة في قراءة القرابة والأسطورة في المجتمعات التقليدية، هذه الجهود التي حققت مكانة بارزة للبنيوية بين المذاهب الفلسفية في النصف الثاني من القرن العشرين
وتعود الأفكار الأساسية لهذا المذهب إلى مؤسسها الأول السويسري فرديناند دي سوسير (1857 ـ 1913م) الذي عمل على تحديد موضوع علم اللغة، وان كان بعضٌ يذهب إلى أن مفهوم البنية وجد قبل سوسير في أعمال جان جاك روسو، وإمانويل كانط، وماركس، وفرويد، وغيرهم، بيد انه لم يصبح أداةً للتحليل وقاعدة لمنهج نظري معين إلا بعد عام 1928م
وأبرز ما تمتاز به البنيوية فلسفياً هو محاربتها للنزعة التجريبية من جهة، وللنزعة التاريخية من جهة أخرى، فهي تذهب إلى أن العقل ينمو نمواً عضوياً بحيث تظل فيه صور هي أشبة بالنواة الثابتة، وان كنا نزيدها على الدوام توسيعاً وتعميقاً
وبذلك تعتقد أنها انتقلت بدراسة الإنسان إلى مرحلة العلم المنضبط، وأوقفت النزعة التاريخية الطاغية، التي ترجع إلى القرن الثامن عشر، وطغت في القرن التاسع عشر، وكانت لها امتدادات قوية في القرن العشرين، تلك النزعة التي تؤكد على وجود اتصال واستمرار تاريخي بين الظواهر، فالحاضر كامن في الماضي، والمستقبل كامن في الحاضر، فجاءت البنيوية بتصور آخر لا يقوم على أساس أن التقدم يعني تراكماً تدريجياً لمكتسبات يضاف الجديد منها إلى القديم إضافة خارجية، وإنما يقوم على أساس أن الأفكار الجديدة هي مجرد توسيع لأفكار سبق ظهورها من قبل، فالعقل الإنساني لا يسير بطريقة جيولوجية، أي انه لا يضيف طبقة من المعرفة فوق طبقة أخرى، وإنما يسير بطريقة عضوية، يعيد فيها تَمثُّل القديم بطريقة أصعب وأعقد، ويحتفظ فيها ببنائه القديم، وان كان يدرك خلال تطوره أن ذلك البناء الذي كان يعد صحيحاً صحة مطلقة في وقت مضى لا يمثل إلا جانباً من الحقيقة، هو ذلك الجانب الذي كان عقلنا يستطيع بلوغه في ذلك الوقت
بناء على ذلك يمكن القول إن طريق التقدم في نظر البنيوية يتمثل في أن كل تقدم يظل محتفظاً بالنواة المركزية، وان طريق المستقبل يمر بالماضي، وان طريق الوصول إلى الغد يتم من خلال مراجعة ما كان تم بالأمس. فالبذور القديمة موجودة دائماً، وكل ما يفعله الإنسان انه ينميها دائماً
ك ـ ما بعد البنيوية
منذ بداية السبعينات في القرن العشرين ظهرت محاولات في أوروبا لبناء فلسفة جديدة تملأ الفراغ الفلسفي في الثلث الأخير من هذا القرن، بعد تراجع البنيويه وتزايد الأعمال النقدية لمقولاتها، فولدت الفلسفة التفكيكية كأقوى اتجاه فلسفي معاصر من بين عدة اتجاهات بعد هذه الفترة، وأصبحت هي السائدة في فرنسا، وانتشرت بعد ذلك في الولايات المتحدة واليابان
ورائد هذه الفلسفة الفيلسوف الفرنسسي جاك دريدا(1930) الذي بدأ بالظاهريات ثم بهيدغر، ثم تميز بعد ذلك بتحليلاته اللغوية الفلسفية الخاصة وأسس "الكلية الفلسفية" لممارسة الفلسفة التفكيكية كفريق
وكان الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز (مات منتحراً سنة 1996م) الذي جمع بين النقد الأدبي والفلسفة من أشهر الممثلين لهذه المدرسة
وتمثل التفكيكية آخر صرخة للوعي الأوروبي فهي ليست الحداثة بل ما بعد الحداثة، وليست البنيوية بل ما بعد البنيوية، ويقوم منهجها على تحليل وتفكيك بنية العلوم الإنسانية، فقد بدأت انطلاقة دريدا عام 1967م عندما أصدر كتاباً بفرنسا نقض فيه الفكر الغربي منذ أفلاطون في العصر اليوناني إلى هيدغر وشتراوس في هذا العصر، وحاول تشريح أعمال الفلاسفة كيما ينقضها من داخلها، فصار كل فيلسوف ينقض مقولاته بأفكاره، من خلال تفكيك أعماله وقراءتها قراءة ما يحجبه الخطاب ويخفيه
وعلى هذا يهتم دريدا بالبحث عن ألفاظ التفكيك في الخطاب وليس ألفاظ الربط، فهو يؤسس منطق الاختلاف وليس منطق الهوية، فالأجزاء لها الأولوية على الكل، والهدم قبل البناء
وبالتالي تبدو فلسفته وكأنها مراجعة حساب الوعي الأوروبي لنفسه، ويذكر دريدا مصطلح (نهاية الزمان) ويكثر الإشارة للغرب، وكأن الغرب قد وصل إلى نهايته دون مخلص جديد، فالفلسفة التفكيكية مراجعة الوعي الأوروبي لذاته، مفككاً نفسه بنفسه



هناك تعليق واحد:

  1. شكرآ جزيلا لك اختي على هذا التحضير رائع في ابقمة
    ماشاءالله ربي يحفظك ويسعدك ويوفقك يارب 👍💖😍

    ردحذف